د.عبدالباسط الشيبي-نائب رئيس مجلس الإدارة-المجموعة للرعاية الطبية
ميّز الله عز وجل الإنسان عن سائر الخلائق بالعقل ،وهو أسمى ما في الإنسان لأنه مختص بالتفكير ،ويصدر الأوامر لجميع أعضاء الجسد وهو المتحكم بجميع تصرفاتنا ،وكلما كانت عقولنا راجحة كلما كانت تصرفاتنا راجحة ،فالعقل السليم لاينشر سوى الفضيلة والمروءة والأخلاق والمعرفة والعلم ،فهو زهرة فواحة تضوع برائحتها الجميلة على كل مايحيط بها .
وحتى يكون العقل راجحاً وسليماً يحتاج الأمر إضافة إلى الفطرة التي وضعها الله تعالى في الإنسان إلى العلم والمعرفة التي تتأتى بشكل أساسي من القراءة التي هي الوسيلة الأفضل للحصول على معلومات جديدة، والتوصل إلى الأفكار الإبداعية، وتعلم النصائح المفيدة التي يمكن أن تحسن الحياة الشخصية والمهنية ،وتعزز ثقة الإنسان بنفسه ،وتعلمه التسامح ومحبة الآخرين والتفاعل معهم، والأهم تمنح أداة فاعلة في تمييز الخير عن الشر.
والقراءة ليست فعلاً موسمياً أو طفرة مؤقته أو سلوكاً آنياً بل هي أسلوب حياة وطريق للسعادة بكل ماتحمله الكلمة من معنى،فكلما قرأنا كتاباً نشعر بأن هناك إضافة إلى عقولنا وشخصياتنا وضمائرنا وطريقة فهمنا للحياة،وكلما كان اختيارنا موفقاً للعناوين والمواضيع التي نقرأها كلما كان الأثر التراكمي أعم وأشمل وأكثر قوة .
ولطالما أعجبنا بالصور التي نراها في دول كثيرة لطوابير المنتظرين الذين يقضون وقت الانتظار بقراءة كتاب ما ،أو يستغلون وقت الذهاب إلى العمل بالمضي قدما في إنهاء كتاب بدأوا به ،وفي الحقيقة تحضّر الأمم ورقيها مرتبط إلى حد كبير بإقبال الشعوب على القراءة والعلوم المختلفة ،وقديما كان بعض خلفاء المسلمين يمنحون المؤلفين والمترجمين مايعادل وزن مؤلفاتهم ذهباً إقراراً بأهمية العلم والمعرفة ونشرهما بين عامة الناس.
بالتأكيد قد يتبادر إلى الأذهان أن عصر الكتاب بشكله التقليدي قد شارف على الأفول بعد انتشار الكتب الإلكترونية والمدونات والمواقع التي يمكننا أن نتصفح فيها آلاف الكتب بدون كثير عناء ،نعم هذا في جانب منه صحيح ولكن على مدى العصور كان هناك أشكال مختلفة لتطور الكتب والتدوين، من الكتابة على الصخور والأحجار وأوراق البردي وجلود الحيوانات والعظام ثم تطور الأمر إلى طباعة الكتب بعد اختراع الورق ،وهانحن دخلنا عصراً جديداً عبر الكتب الإلكترونية التي لاشك بأنها تسهم بشكل كبير في نشر وتعميم القراءة بشكل أوسع وأشمل ،بالطبع هناك من مايزالون متمسكين بالكتاب التقليدي ويقيمون علاقة تواصل فعالة مع الورق ولكن أيضا يجب أن نعترف بأن الكتاب الالكتروني قليل التكلفة سهل النقل والتداول ويمكن مطالعته عبر مختلف الأجهزة الذكية المنتشرة بكثرة في أيامنا هذه.
باختصار:القراءة هي أداة العقل للتطور، وهي وسيلة إذا أعطيناها حقها ستعم خيراتها على الفرد والمجتمع ،ولقد أعطت حكومتنا الرشيدة عنايتها الكبيرة لهذا الجانب فبنت واحدة من أهم المكتبات في المنطقة وهي مكتبة قطر الوطنية التي تضم في جنباتها أكثر من مليون كتاب وأكثر من نصف مليون مادة إلكترونية متنوعة ،وكل هذا الكم المعرفي لاشك يقدم علامة فارقة للعلم والمعرفة في بلادنا الحبيبة ،ويشكل زاداً معرفياً ثراً تنهل منه الأجيال وتبنى عليه مستقبلاً أفضل.
فكروا بشراء كتاب لأطفالكم مع كل هدية ،وعلموهم بأن يقرأوا كتاباً في كل عطلة ، واسألوهم ماذا تعلموا منه ،واحرصوا على جعلهم يشاهدوكم وأنتم تقرأون فأنتم مثلهم وقدوتهم .
إضافة تعليق